صخور جدة
رحلة في قلب الصخور... ماذا اكتشف العلماء بين جدة ومكة في وادي فاطمة الغامض؟
كتب بواسطة: سماح عبده |

في صباحٍ تتلألأ فيه خيوط الشمس الأولى على سواحل جدة، انطلقت حافلات تحمل نخبة من العلماء والباحثين متجهة شرقاً نحو وادي فاطمة، في رحلة ميدانية استثنائية نظمتها هيئة المساحة الجيولوجية السعودية، ضمن ختام فعاليات المؤتمر الاقتصادي الذي استمر أربعة أيام وناقش التحولات الاقتصادية العالمية وفرص الاستثمار في ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية.
إقرأ ايضاً:في خطوة غير متوقعة... خدمة جديدة تجعل ماء زمزم يصل إلى منزلك في ثوانٍ فقط!أجواء غير مستقرة اليوم في السعودية.. أمطار غزيرة وتحذيرات من الأرصاد تشمل 5 مناطق!

بدأت الحافلات تترك خلفها أبراج جدة الساحلية لتتبدل الملامح تدريجياً، من زرقة البحر الأحمر إلى تضاريس وعرة تتخللها تلال من الصخور السوداء والرمادية، تُحاكي تاريخاً جيولوجياً يعود إلى أكثر من 800 مليون عام. على مدى عشر ساعات من العمل الميداني، تنقل الفريق بين خمسة مواقع جيولوجية تمتد بين جدة ومكة، لدراسة تاريخ البراكين القديمة وتكوينات الصخور والمعادن النفيسة التي تشكل ملامح المنطقة الغربية من المملكة.

البداية من جبل الملاس، حيث توقفت القافلة في موقع خندق قديم لتمعدن الذهب يعود إلى ما قبل العصر الكامبري. بين الصخور المتشققة، كانت المطارق الجيولوجية تُصدر رنيناً خافتاً مع كل ضربة، فيما تلمع آثار الذهب والسيليكا على الصخور الخضراء الداكنة. هناك، بدأت أولى البعثات الجيولوجية في خمسينات القرن الماضي أعمالها للبحث عن الثروات المعدنية في عمق الأرض.

ثم توجه الفريق إلى وادي الشميسي، الذي كشف طبقاته الحجرية المتداخلة كصفحات من كتاب جيولوجي قديم. وأظهرت العينات حجر الحديد الأوليتي الذي يدل على أن المنطقة كانت ذات يوم بحراً ضحلاً تفاعلت فيه المعادن مع الهواء والماء عبر العصور.

أما في وادي فاطمة، فقد برزت معالم الصدوع العميقة التي تشبه ندوباً على وجه الأرض، شاهدة على التحولات التكتونية التي سبقت انفتاح البحر الأحمر قبل نحو 18 مليون سنة. الصخور الرسوبية والنارية هنا تلتقي في لوحة طبيعية فريدة ترسم ماضي المنطقة الجيولوجي بتفاصيل دقيقة.

وفي منتصف النهار، توقّف الفريق عند حدّات الشام لتناول الغداء تحت جرف رملي شاهق يُطل على امتداد الأرض الهادئة. بين ظلال الصخور، تحولت الاستراحة إلى نقاش علمي حول التتابعات الطبقية بين تشكيل أُسفان البحري وتشكيل الشميسي النهري، حيث بدت خطوط الترسيب الدقيقة كأنها توقيعات الزمن على الحجر.

وفي ختام الرحلة، وقفت القافلة أمام سور عسفان العظيم، وهو جدار من الحجر الجيري يمتد لمئات الأمتار بلون رمادي مائل إلى الأبيض، كاشفاً عن الانتقال من بيئة بحرية إلى قارية وعن نشاط بركاني عريق. إلى جواره، أضافت طبقات تشكيل خلايا الحمراء لمسة فنية على لوحة الصخور الصامتة.

وأكد المشاركون أن هذه الجولة الميدانية ليست مجرد دراسة علمية، بل نموذج للتكامل بين العلم والسياحة والاقتصاد، إذ يمكن أن تصبح هذه المواقع وجهات تعليمية وسياحية فريدة تُبرز التنوع الجيولوجي للمملكة. وتأتي هذه الجهود متماشية مع رؤية السعودية 2030 التي تسعى إلى تنويع الاقتصاد الوطني واستثمار الثروات الطبيعية بأسلوب مستدام، مع تعزيز مفهوم السياحة الجيولوجية كأحد المسارات الجديدة للتنمية.

فهنا، بين الصخور والرمال، يتحول الحجر إلى ذاكرة، وتصبح الأرض كتاباً مفتوحاً يروي قصة المملكة منذ ملايين السنين.

أحدث الأخبار
اخر الاخبار