في أقل من نصف ساعة بالسيارة، يمكن عبور أبوظبي، حيث تتلألأ الأبراج الزجاجية فوق مياه الخليج، حاملة أحد أكثر تجمعات رأس المال كثافة في العالم. تدير صناديق الثروة السيادية الإمارتية والشركات القابضة الملكية والمؤسسات الاستثمارية الحديثة أكثر من تريليوني دولار، وهو ما يفوق مجموع اقتصادَي هولندا وسويسرا، محولة الإمارة إلى مركز عالمي للتمويل والطاقة والذكاء الاصطناعي.
إقرأ ايضاً:
تضم الإمارة ثلاثة صناديق ثروة سيادية ضخمة، وهي جهاز أبوظبي للاستثمار (ADIA)، وشركة مبادلة، والقابضة (ADQ)، بالإضافة إلى مؤسسات حديثة مثل MGX وXRG وLunate، حيث نفذت هذه الكيانات مئات الصفقات لتعزيز دور المدينة عالميًا بعيدًا عن النفط.
آنا ناكفالوفايت، باحثة في صناديق الثروة السيادية بجامعة أكسفورد، تقول: "أصبحت أبوظبي وجهة لا غنى عنها في كل دورة لجمع التبرعات، وصناديقها لاعب رئيسي في أسواق الأسهم الخاصة والبنية التحتية والائتمان الخاص".
ثلاثة صناديق، ثلاثة أدوار متميزة
مبادلة: محرك الصفقات العالمي
بأصول تبلغ حوالي 330 مليار دولار، تُعد مبادلة الأكثر نشاطًا في الإمارة، مع أكثر من 300 صفقة منذ عام 2020. تركز على الائتمان الخاص، التكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي، لتصبح المستثمر السيادي الأكثر نشاطًا عالميًا في 2024 وفقًا لتقارير "جلوبال إس دبليو إف". تشمل استثماراتها شركات تابعة ومحافظ متنوعة، بما في ذلك ADIC وصندوق بيتكوين المتداول في البورصة.
القابضة (ADQ): الشركة المحلية السريعة النمو
تبلغ أصول ADQ نحو 263 مليار دولار، وتتميز بنمو سريع حيث تضاعفت ميزانيتها في أربع سنوات. يركز الصندوق على الاستثمارات المحلية والخارجية في الشركات والبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك دار سوثبي للطيران والشركات الحيوية في أبوظبي.
جهاز أبوظبي للاستثمار (ADIA): العملاق التاريخي
تأسس ADIA عام 1976 ويُقدّر حجم أصوله بحوالي تريليون دولار. يشتهر بدعمه للشركات العالمية وصناديق التحوط، ويواصل دوره في تعزيز الاستثمارات في الهند وأوروبا وأمريكا الشمالية، مؤكدًا مكانته كلاعب أساسي في الأسواق الدولية.
الشيخ طحنون بن زايد: الرجل في قلب الشبكة
الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان يشرف على ADIA وADQ، بالإضافة إلى مؤسسات استثمارية ناشئة مثل MGX، مما يمنحه السيطرة على نحو ثلاثة أرباع الثروة السيادية لأبوظبي. في عهده، أطلقت الإمارة صفقات ضخمة في قطاع التمويل العالمي، بما في ذلك محاولات الاستحواذ على مؤسسات مثل ستاندرد تشارترد ولازارد، مؤكدًا طموح الإمارة لترك بصمة عالمية.
استثمارات الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية
شهدت أبوظبي تحولًا في استراتيجيات استثمار صناديقها السيادية من التركيز على الخدمات المالية التقليدية إلى الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات والرقائق الإلكترونية. تشمل أبرز الصفقات:
-
استحواذ MGX وشركاء بلاك روك على Aligned Data Centers بقيمة 40 مليار دولار.
-
تعاون مع مايكروسوفت وجمع 30 مليار دولار لمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي.
-
المشاركة في الطرح العام الأولي لشركة SMIC الصينية للرقائق الإلكترونية.
-
استثمارات في OpenAI بقيمة 6.6 مليار دولار، بالإضافة إلى 31 مليار دولار لمراكز البيانات الفرنسية.
نظام بيئي استثماري كثيف ومعقد
أبوظبي تمتلك نظامًا بيئيًا استثماريًا متشابكًا، يشمل صناديق سيادية، شركات ناشئة، منصات استثمارية مثل لونيت وMGX، ومؤسسات صحية وتكنولوجية مثل PureHealth وM42. يعتمد النجاح في الإمارة على العلاقات الشخصية والشبكات الطويلة المدى، وهو ما أكده أمين بوشنتوف، الرئيس التنفيذي لاستثمارات أطلس مينا كابيتال، الذي قال: "في أبوظبي لا توجد خريطة واضحة، بل يعتمد كل شيء على الثقة التي تُبنى على مر السنين".
عوامل جذب أبوظبي لرأس المال العالمي
تستقطب أبوظبي كبار المستثمرين العالميين بفضل:
-
حجم رأس المال الضخم الذي يديره ADIA ومبادلة وADQ.
-
تنوع القطاعات من الذكاء الاصطناعي إلى البنية التحتية والطاقة المتجددة والخدمات اللوجستية.
-
موقع جغرافي استراتيجي يتيح الاستثمار عبر آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية في يوم عمل واحد.
-
بيئة أعمال مستقرة ومواتية، مع مزايا ضريبية وتنظيم داعم.
-
استثمارات مدعومة بعائدات النفط نحو الابتكار والطاقة النظيفة.
تُعيد أبوظبي، من خلال هذه السياسات والاستثمارات، صياغة تدفقات رأس المال العالمي، من مراكز البيانات في أوروبا إلى البنوك في الهند ومنصات الائتمان في الولايات المتحدة، مؤكدة مكانتها كعاصمة استثمارية عالمية.