من مكة تبدأ الاستدامة: مبادرة "بقاع خضراء" تواجه تحدي النفايات البلاستيكية

الاستدامة البيئية
كتب بواسطة: صالح سدير | نشر في  twitter

 


إقرأ ايضاً:أسعار حديد التسليح في السعودية تشهد تراجعًا ملحوظًا خلال أغسطسوزارة التعليم السعودية تحدد آليات صارمة للتعامل مع الطلاب المتغيبين بعذر أو دون عذر

في إطار الجهود المتنامية نحو تحقيق الاستدامة البيئية وتعزيز مفهوم الاقتصاد الدائري في المملكة، سلط الدكتور ماجد الحارثي، المدير التنفيذي للوقف العلمي بجامعة الملك عبدالعزيز، الضوء على أهمية مبادرة «بقاع خضراء»، التي انطلقت لتكون نقطة تحوّل في كيفية التعامل مع النفايات البلاستيكية، ولا سيما خلال موسم الحج، والمبادرة تأتي كاستجابة علمية وعملية لحجم التحدي البيئي الذي تطرحه الكميات المتزايدة من المخلفات البلاستيكية التي تتولد سنويًا في واحدة من أكبر التجمعات البشرية على وجه الأرض.

وقد أوضح الدكتور الحارثي، خلال مقابلة متلفزة عبر قناة «الإخبارية»، أن هذه المبادرة لا تهدف فقط إلى جمع النفايات والتخلص منها، بل تمثل إطارًا متكاملًا لإعادة التدوير وفق منهجية علمية بالتعاون مع القطاعات ذات العلاقة، من أجل تقليص الأثر البيئي وتعزيز ثقافة الاستدامة لدى الأفراد والمؤسسات على حد سواء.

المبادرة ترتكز على مبادئ بيئية حديثة، وهي تجسيد حي لتوجه المملكة نحو تحقيق أهداف رؤية 2030 في جانب حماية البيئة وإعادة تدوير الموارد، فبحسب ما أفاد به الدكتور الحارثي، فإن المسح الميداني والدراسات التي أجريت خلال الأعوام الماضية في مواسم الحج، أظهرت وجود كميات هائلة من النفايات البلاستيكية، التي تتراكم بشكل كبير في المشاعر المقدسة، وتشكل عبئًا بيئيًا وصحيًا لا يمكن تجاهله. هذه النفايات، التي تتضمن عبوات المياه والأكياس وأدوات الاستخدام الواحد، غالبًا ما تُترك في المواقع المفتوحة دون إدارة فعالة، مما يزيد من التحديات البيئية في منطقة ذات خصوصية دينية وجغرافية.

ومع ارتفاع أعداد الحجاج وتنوّع خلفياتهم، تصبح الحاجة إلى حلول ذكية ومستدامة أكثر إلحاحًا، وهو ما حاولت «بقاع خضراء» معالجته من خلال توظيف التكنولوجيا والممارسات العلمية في التعامل مع المخلفات، فالمبادرة لا تكتفي بجمع النفايات فحسب، بل تركز أيضًا على فرزها وإعادة تدويرها بطرق تضمن استخدامها لاحقًا في صناعات جديدة، بما يحقق الفائدة الاقتصادية ويحمي البيئة في آنٍ واحد. كما أن تعزيز الشراكة مع الجهات الحكومية والقطاعات الخاصة يضفي على المشروع طابعًا تكامليًا يرفع من كفاءته ويعزز من استدامته على المدى البعيد.

الدكتور الحارثي شدد على أن أحد الأهداف الأساسية للمبادرة هو رفع مستوى الوعي لدى ضيوف الرحمن حول أهمية التخلص السليم من النفايات، وتشجيعهم على استخدام البدائل القابلة لإعادة الاستخدام، وهي خطوة ضرورية للحد من الاعتماد المفرط على المواد البلاستيكية أحادية الاستخدام، ولفت إلى أن نشر الوعي البيئي لا يقل أهمية عن الحلول التقنية، إذ إن تغيير سلوك الفرد هو جوهر أي تحول مستدام، وهنا يبرز الدور الحيوي للوقف العلمي بجامعة المؤسس في دعم هذه المبادرات من خلال الدراسات، والبحوث التطبيقية، والتعاون مع مراكز الابتكار والمعرفة، لتحويل التحديات إلى فرص.

ولعل ما يميز «بقاع خضراء» هو أنها ليست مجرد حملة بيئية موسمية، بل نواة لمشروع وطني طويل الأمد، يسعى إلى تحويل المواقع المقدسة إلى نماذج يحتذى بها في مجال الاستدامة البيئية، ويعزز من مكانة المملكة عالميًا في مجال إدارة الحشود بطرق بيئية متقدمة، كما أن المبادرة تتناغم مع جهود المملكة في خفض البصمة الكربونية، ومواكبة التحولات العالمية في كيفية معالجة النفايات وتدويرها، بما يجعل منها رافدًا داعمًا للالتزامات المناخية الدولية التي انضمت إليها المملكة.

تفعيل مثل هذه المبادرات في مواقع ذات طابع خاص مثل مكة المكرمة والمشاعر المقدسة لا يخلو من التحديات، لكنه في المقابل يفتح آفاقًا واسعة نحو بناء ثقافة بيئية مستدامة، تتجاوز حدود الحدث الموسمي لتصبح جزءًا من الوعي المجتمعي والسلوك اليومي، ومن هنا، تبدو "بقاع خضراء" أكثر من مجرد استجابة بيئية، بل هي رؤية متكاملة تتشابك فيها الأبعاد البيئية والدينية والاجتماعية، بما يعزز من فاعلية العمل البيئي في بيئة تتطلب أعلى درجات الانضباط والاحترام.

وفي ظل ما كشفته الدراسات من أرقام صادمة حول كمية النفايات البلاستيكية المتراكمة، يصبح من الضروري تعزيز هذه المبادرات وتعميمها على نطاق أوسع، ودمجها في منظومة التخطيط الاستراتيجي لموسم الحج والعمرة، بما يضمن بيئة نظيفة وآمنة لضيوف الرحمن، ويكرس مبدأ أن العناية بالبيئة هي جزء لا يتجزأ من القيم الإسلامية التي تحث على الطهارة والنظافة والعناية بالخَلق.

اقرأ ايضاً
الرئيسية | اتصل بنا | سياسة الخصوصية | X | Facebook