رأس الحكمة أيقونة مصرية مذهلة على المتوسط باستثمارات قياسية

في الثاني والعشرين من فبراير عام 2024، وقّعت الحكومة المصرية اتفاقية استثمار كبرى مع الجانب الإماراتي لإطلاق مشروع مدينة رأس الحكمة على الساحل الشمالي الغربي، في خطوة اعتُبرَت “الأضخم في تاريخ الاستثمار الأجنبي المباشر” في مصر.
تُعد هذه الصفقة علامة فارقة في مسعى الدولة لتعزيز النمو الاقتصادي، وتحويل المناطق الساحلية إلى محاور تنموية جاذبة للاستثمارات والسياحة، في إطار رؤية شاملة لتطوير الساحل الشمالي الغربي.
إقرأ ايضاً:إقالة لوران بلان: جدل وتسريبات تهز الاتحاد"قرار مفاجئ في السعودية: نقل طلاب الثالث الابتدائي من مدارس البنات إلى مدارس البنين!تعرّف على التفاصيل
يقع موقع المشروع في منطقة رأس الحكمة التابعة لمحافظة مطروح، والتي تبعد نحو 70 كيلومتراً شرق مدينة مرسى مطروح على شريط الساحل الشمالي. يمتد المشروع على مساحة ضخمة تصل إلى نحو 170.8 مليون متر مربع، أي ما يقارب 170 كيلومترًا مربعًا (أو نحو 40 ألف فدان تقريبًا).
تختص تلك الأرض بموقع استراتيجي على شريط البحر المتوسط، حيث تمتد الواجهة البحرية بطول يُقدر بعشرات الكيلومترات، وتضم المشروع واجهة بحرية بطول تقريبي 44 كيلومتراً في بعض التصورات.
تُدار المدينة عبر شراكة بين الحكومة المصرية ومنظومة استثمارية إماراتية بقيادة شركة ADQ القابضة، حيث تَمتلك مصر حصة مقدارها 35٪ في المشروع، فيما يتولى الجانب الإماراتي دور المطوّر الرئيسي.
وقد تم تعيين شركة “مدن القابضة” الإماراتية كمطوّر رئيسي للمشروع، لتكون هي الجهة التي تُشرف على تنفيذه بالتنسيق مع الجهات المصرية.
وفق التصريحات الرسمية، ينطلق المشروع في عدة مراحل، مع أولى مراحله التي تُعرف بمنطقة وادي يمّ، والتي ستكون الانطلاقة الحقيقية لبدء التنفيذ على الأرض.
يخطط أن تضم المرحلة الأولى وحدات سكنية وفنادق ومرافق ترفيهية، من بينها ملاعب غولف، نوادٍ، مسارح مفتوحة، بالإضافة إلى تنوّع في أنواع الوحدات من شقق إلى فيلات فاخرة.
في هذه المرحلة، تُطرح مبيعات أولية بآلاف الوحدات، وقد لقي المشروع إقبالاً ملحوظًا من المستثمرين، حيث تم الإعلان عن استهداف استيعاب ما يقرب من مليوني نسمة خلال أربع سنوات.
أما على صعيد البنية التحتية والتجهيزات، فالمشروع يضم خططًا لبناء مطار دولي يخدم المدينة والمناطق المحيطة، إضافة إلى ثلاثة مراسٍ (مارينا) لليخوت والقوارب، ومراكز للأعمال، مناطق تجارية، مرافق رياضية وترفيهية، ومنطقة حرة للاستثمار.
كما يتضمن المشروع مرافق تعليمية وصحية وثقافية، ومساحات خضراء واسعة، وشبكات للنقل الداخلي والطرق، وربطاً بمواصلات حديثة تربط المدينة بمختلف المناطق داخل وخارج الساحل.
كما تُعطى أهمية كبيرة للتكنولوجيا والبنى الذكية في المدينة، عبر أنظمة إدارة ذكية للطاقة والمياه والخدمات، مع استخدام حلول مستدامة بيئيًا.
من الناحية المالية، أعلن رئيس الوزراء أن الصفقة ستشمل تحويل 11 مليار دولار من الودائع الإماراتية المودعة بالبنك المركزي المصري إلى تمويل داخلي للمشروعات، إلى جانب ضخ 24 مليار دولار نقدًا من الجانب الإماراتي، ليبلغ الإجمالي المُعلن نحو 35 مليار دولار ضمن الصفقة الأولية.
وتتصاعد التوقعات لتجاوز حجم الاستثمار التراكمي للمشروع مبلغ 150 مليار دولار على مدى عمره الكامل، مع توقعات بأن يحقق المشروع تدفقات دولارية كبيرة للدولة المصرية.
ويرى المسؤولون أن المشروع سيسهم في ضخ سيولة بالدولار، ودعم الاحتياطي النقدي، وتقليل العجز في ميزان المدفوعات، إلى جانب خلق فرص العمل وتنشيط قطاعات العقار والسياحة والخدمات.
من الناحية السكانية والاجتماعية، يُتوقع أن تستوعب المدينة أكثر من 310 آلاف وحدة سكنية، ما يتيح استقبال عدد كبير من المقيمين والزوار.
وينطوي المشروع على مزيج من الوحدات الفاخرة والمتوسطة لتلبية احتياجات شرائح متعددة، كما يُولي أهمية كبيرة لجودة الحياة من خلال توفير خدمات متكاملة في الصحة والتعليم والثقافة والترفيه.
كما يُتوقع أن يولّد المشروع مئات الآلاف من فرص العمل، سواء مباشرة أو غير مباشرة، في قطاعات البناء والخدمات والسياحة وغيرها.
رغم الطموحات الكبرى، تواجه الخطة تحديات عدة، مثل الحفاظ على البيئة وحماية الساحل من التآكل “نحر الشاطئ”، وضمان مصادر المياه والتغلب على الضغط البيئي، إضافة إلى التنسيق بين الجهات التنفيذية والإدارية.
كما أن تحقيق الجدول الزمني الطموح يحتاج إلى التزام مالي وتقني كبير من جميع الأطراف، مع حاجة لإدارة ذكية للمخاطر المرتبطة بالتقلبات الاقتصادية والتمويل.
من جهة أخرى، تتطلب المدينة الجديدة إصدار قوانين محلية وتنظيمات خاصة، منها منطقة حرة استثمارية، وضوابط للاستثمار العقاري، وأنظمة حوكمة واضحة لضمان الشفافية واستدامة المشروع.
يبقى مشروع رأس الحكمة من بين أبرز المشاريع التنموية الاستراتيجية في مصر خلال السنوات الأخيرة، وأكثرها طموحًا من حيث الحجم والتأثير المحتمل، حيث يسعى لأن يكون محركًا جديدًا للاستثمار والسياحة على الساحل الغربي.
إذا ما نجحت الدولة والشركاء في إدارته بحرفية عالية، فإن المدينة قد تتحول إلى وجهة سياحية وعمرانية مرموقة تنافس مدنًا عالمية، وتدخل ضمن خارطة المدن الذكية المستدامة في المنطقة.