تدريب إلزامي تحت المجهر .. ماذا يحدث داخل المدارس السعودية؟

في خطوة تطويرية غير مسبوقة تهدف إلى تعزيز جودة التعليم وبناء بيئة مدرسية أكثر كفاءة، اعتمد المعهد الوطني للتطوير المهني التعليمي آلية جديدة تُلزم القادة التربويين في المدارس، بمن فيهم المديرون والوكلاء والمشرفون، بتأهيل خمسة معلمين جدد على الأقل في كل مدرسة، وذلك ضمن المرحلة الأولى من برنامج وطني طموح تحت مسمى "الملازمة الإرشادية"، يهدف إلى نقل الخبرات التربوية بشكل مباشر ومستدام داخل البيئة المدرسية.
ويأتي هذا التوجه في إطار سعي وزارة التعليم لبناء منظومة مهنية متكاملة داخل المدرسة، تستند إلى التفاعل المباشر والتدريب العملي، بعيدًا عن النماذج التقليدية التي تعتمد على دورات خارجية مؤقتة أو تدريب نظري منفصل عن الواقع اليومي للميدان التربوي، حيث يُعد هذا النظام الجديد نقلة نوعية في ممارسات الدعم المهني المستمر للمعلمين المستجدين.
إقرأ ايضاً:أسعار حديد التسليح في السعودية تشهد تراجعًا ملحوظًا خلال أغسطسوزارة التعليم السعودية تحدد آليات صارمة للتعامل مع الطلاب المتغيبين بعذر أو دون عذر
ويرتكز البرنامج على تحويل القادة التربويين إلى مرشدين مهنيين متخصصين، يتولون بشكل يومي مهمة تدريب المعلمين الجدد من خلال المتابعة الميدانية داخل المدرسة نفسها، مما يتيح فرصًا حقيقية لتبادل المعرفة والخبرة في بيئة العمل الفعلية، ويُسهم في حل التحديات التعليمية بأساليب مرنة وفورية تواكب احتياجات المعلم والميدان معًا.
وشملت المرحلة الأولى من البرنامج خمس إدارات تعليمية رئيسية، هي الرياض، والمنطقة الشرقية، وجدة، وتبوك، وعسير، حيث تم تنفيذ البرنامج على مدى شهر كامل، ركّز خلاله على تطوير قدرات القادة المشاركين من خلال ورش تخصصية وتدريبات ميدانية، شملت مجالات حيوية مثل مهارات التفكير، التخطيط التربوي، البحث الإجرائي، وفنون إدارة العملية التعليمية، وهو ما مكّن المشاركين من القيام بدورهم الجديد كمرشدين بكفاءة منهجية ومهنية عالية.
ويُعد "الملازمة الإرشادية" نموذجًا مبتكرًا في التطوير المهني، يختلف عن الأنماط التقليدية التي تعتمد على التدريب المركزي أو الندوات النظرية، إذ يقوم على مبدأ التعلم بالمرافقة والممارسة المباشرة، مما يضمن ترسيخ المهارات والمعارف لدى المعلم الجديد عبر تجارب عملية واقعية متكررة.
ويُتوقع أن يُسهم هذا النظام في بناء شبكة علاقات مهنية نشطة داخل كل مدرسة، تسهّل تبادل الأفكار والخبرات، وتعزز من ثقافة العمل التعاوني، وتسرّع من نمو المعلمين الجدد مهنيًا، كما تدعم ثقافة الحوار المستمر حول استراتيجيات التدريس، وتحسّن من جودة التخطيط الصفي وأساليب التقويم، بما ينعكس إيجابًا على أداء الطلاب داخل الفصول.
وبحسب ما أكده المعهد الوطني للتطوير المهني، فإن هذه الآلية تأتي ضمن رؤية شاملة لتمكين المدرسة من أن تكون بيئة تدريبية ذاتية تُنتج معلميها بقدرات عالية، دون الاعتماد الكامل على مراكز تدريب خارجية، مما يقلّل من الفجوة بين النظرية والتطبيق، ويعزز من مفهوم "المدرسة المتعلمة" التي تنمو من داخلها.
ويُلزم النظام الجديد كل قائد تربوي بتولي مسؤولية الإشراف والتدريب المباشر على خمسة معلمين على الأقل، وهو ما يعني توسيع نطاق الأثر المهني داخل المدرسة الواحدة، وتمكين أكبر عدد ممكن من المعلمين الجدد في فترة قصيرة، دون الحاجة إلى ترك مواقع العمل أو تعطيل سير العملية التعليمية.
وتُعد هذه الخطوة امتدادًا لرؤية وزارة التعليم الرامية إلى تحقيق استدامة التطوير المهني، وربطه مباشرة بالواقع الميداني، كما تأتي ضمن جهود المملكة لتنفيذ مستهدفات رؤية السعودية 2030، في تطوير القدرات البشرية والارتقاء بمستوى الكفاءة التعليمية، وجعل المدرسة مركزًا رئيسيًا لإنتاج وتحسين الأداء المهني.
ويُسهم النظام أيضًا في تقوية العلاقة المهنية بين القيادة والمعلمين، من خلال بناء الثقة وتوفير الدعم المستمر والتوجيه اليومي، بما يُعزز من الروح الإيجابية في بيئة العمل، ويجعل القادة التربويين شركاء فعليين في بناء أداء المعلمين، بدلًا من اقتصار أدوارهم على الجانب الإداري أو التنظيمي.
وتمثل تجربة "الملازمة الإرشادية" بداية لتحول منهجي في سياسات التدريب والتعليم المهني داخل المملكة، حيث يتوقع أن يُعمم البرنامج على نطاق أوسع خلال المراحل المقبلة، ليشمل مختلف الإدارات التعليمية، مع إدخال تعديلات وتوسعات بناءً على ما تم رصده من نتائج وملاحظات خلال المرحلة التجريبية الأولى.
ويُعد إشراك القادة التربويين بشكل مباشر في عملية التأهيل خطوة مهمة نحو جعل التطوير المهني مسؤولية جماعية داخل المؤسسة التعليمية، بحيث يتشارك الجميع في بناء كفاءات الميدان، ويتحول المعلم إلى متعلم مستمر يتلقى الدعم من زملائه وقيادته بشكل مستمر.
ويرى تربويون أن هذا النوع من البرامج يرفع من جودة الأداء العام في المدارس، ويمنح المعلمين الجدد فرصًا أكثر واقعية للاندماج في بيئة العمل، والتكيف مع متطلباتها، والتعلم من النماذج المتميزة، وهو ما يصب في نهاية المطاف في تحسين المخرجات التعليمية وتعزيز فاعلية النظام التربوي بشكل عام.
وتعكس هذه المبادرة توجهًا وطنيًا نحو توطين الممارسات المهنية داخل المؤسسات التعليمية، والاستفادة من الموارد البشرية المتوفرة، وتفعيل أدوار القادة التربويين بما يتجاوز الجوانب الإدارية إلى أدوار تطويرية وتوجيهية أكثر عمقًا وأثرًا.
وتُظهر البيانات الأولية للبرنامج رضا واسعًا من القادة والمعلمين المشاركين، حيث عبّر كثير منهم عن أهمية البرنامج في سد الفجوة المهنية، وتوفير بيئة تعلم عملية ومباشرة، وتبادل الخبرات اليومية، وهو ما شجّع على مواصلة هذا التوجه وتطويره في المراحل اللاحقة.
ويُنتظر أن يكون هذا البرنامج نموذجًا مرجعيًا للبرامج المهنية في قطاع التعليم، ليس فقط داخل المملكة، بل على مستوى المنطقة، بالنظر إلى شموليته وواقعيته وأثره المباشر على بيئة المدرسة ومعلميها وطلابها.
- دوري يلو يقترب من ضم الجناح البرازيلي الواعد جوستافو مايا قبل إغلاق الانتقالات
- احرص على تأمين مستقبلك: خطوات الاشتراك في نظام معاشات المصريين بالخارج
- شركة حمد محمد الرقيب وأولاد توفر وظائف ب 8 مدن سعودية ... تعرف على الفرص الشاغرة
- كل ما تريد معرفته عن كأس السوبر السعودي
- قرار رسمي من يايسله يفاجئ به الهلال في نصف نهائي السوبر فماذا حدث؟!
- تعرّف على القرار الأخير لمشاركة مالكوم في نصف نهائي السوبر مفاجأة صادمة