بدأت قصة نوكيا منذ أكثر من 150 عامًا، حين كانت شركة فنلندية متواضعة تصنع الورق والمطاط قبل أن تتحول في تسعينيات القرن الماضي إلى عملاق عالمي في صناعة الهواتف المحمولة. ومع بداية الألفية الجديدة، كانت تسيطر على أكثر من 70% من السوق العالمية، وسجلت مبيعات قياسية لم يتمكن أي منافس حتى اليوم من كسرها، بما في ذلك شركات مثل أبل وسامسونغ وهواوي.
إقرأ ايضاً:تحركات رقابية مكثفة تكشف عن مخالفات مفاجئة داخل جهات حكومية بارزة بالسعوديةاتفاق جديد في الرياض يفتح آفاقاً استثمارية واعدة بين السعودية ودولة بعيدة في أمريكا الجنوبية
لكن النجاح الكبير تحول سريعًا إلى بداية النهاية. فقد تمسكت نوكيا بنظام التشغيل "سيمبيان" ورفضت اعتماد نظام أندرويد من غوغل، بينما كانت شركات مثل سامسونغ تستعد للقفز نحو المستقبل عبر الهواتف الذكية. ومع إطلاق آيفون عام 2008، فقدت نوكيا زخمها شيئًا فشيئًا، وفشلت محاولات إنقاذها لاحقًا حتى بعد استحواذ مايكروسوفت عليها، إذ لم يتمكن نظام ويندوز موبايل من منافسة أندرويد وiOS.
لكن يبدو أن الشركة العريقة تستعد اليوم لكتابة فصل جديد من تاريخها، بعد إعلان شركة إنفيديا عن استثمار ضخم بقيمة مليار دولار في نوكيا. وتهدف الصفقة إلى تطوير شرائح متقدمة لشبكات الجيل الخامس والسادس (5G و6G) المخصصة لمعدات الاتصالات ومراكز بيانات الذكاء الاصطناعي.
وقد انعكس هذا الإعلان مباشرة على أداء سهم نوكيا، الذي سجل أعلى ارتفاع أسبوعي منذ عام 2013، رغم أنه لا يزال يتداول عند نحو عُشر قيمته في ذروة عام 2000. ويرى محللون أن دخول نوكيا مجال الذكاء الاصطناعي بالتعاون مع إنفيديا يمثل خطوة استراتيجية قد تغيّر مستقبل الشركة.
وأوضح محلل "سيتي غروب" أندرو غاردينر أن هذا الاستثمار لا ينعش ميزانية نوكيا فحسب، بل يعزز مكانتها في أسواق الراديو وشبكات الذكاء الاصطناعي. كما أشار إلى أن ارتباطها القوي بإنفيديا قد يفتح لها أبواب التعاون مع شركات ضخمة مثل مايكروسوفت، خاصة في قطاع مراكز البيانات.
في المقابل، يرى بعض المحللين أن السوق لا يزال هشًا، إذ تتجه شركات الاتصالات إلى خفض الإنفاق الرأسمالي، ما قد يحد من سرعة نمو الطلب على معدات الشبكات. ومع ذلك، يعتقد خبراء آخرون أن استخدام الذكاء الاصطناعي سيقود موجة تطوير جديدة تعيد نوكيا إلى المنافسة.
ويؤكد المحلل في "جيفريز" جاناردان مينون أن الشركة تتحول من كيان يعاني من ركود المبيعات إلى مؤسسة تتجه نحو نمو مستدام بفضل دخولها في قطاع مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، وهو ما يرفع هامش أرباحها ويعيدها إلى دائرة الاهتمام العالمي من جديد.
