في اكتشاف علمي غير مسبوق، كشفت دراسة حديثة أن الدماغ البشري يمتلك قدرة مدهشة على التنبؤ بخطر العدوى وتنشيط جهاز المناعة قبل دخول أي ميكروب فعلي إلى الجسم، مما قد يغيّر المفهوم التقليدي عن كيفية تفاعل الإنسان مع مسببات الأمراض.
إقرأ ايضاً:سامسونغ تفاجئ مستخدميها بخدمة ذكاء اصطناعي جديدة على التلفزيونات الذكيةابتكار جديد من شاومي يحوّل أي باب لقفل ذكي.. تعرف على ميزة “التركيب الذاتي”!
الدراسة، التي نُشرت في مجلة Nature Neuroscience المرموقة، أجراها فريق من الباحثين على 250 متطوعاً استخدموا تقنيات الواقع الافتراضي لمحاكاة مواقف اجتماعية مختلفة. حيث عُرضت على المشاركين مشاهد لأشخاص يقتربون منهم — بعضهم يتمتع بمظهر صحي طبيعي، بينما بدا على آخرين أعراض مرضية واضحة مثل السعال والطفح الجلدي.
وخلال التجربة، خضع المشاركون لتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، مع مراقبة دقيقة لمستويات الهرمونات والمواد الكيميائية في الدم. وأظهرت النتائج ارتفاعاً ملحوظاً في نشاط منطقة القشرة الجبهية الأمامية في الدماغ عند رؤية الأشخاص الذين تبدو عليهم علامات المرض، وهو النشاط ذاته الذي يحدث عادة عند الإصابة الحقيقية بعدوى أو بعد تلقي اللقاحات.
ووفقاً للباحثين، فإن الدماغ لم يكتفِ بالتفاعل البصري، بل أرسل إشارات فسيولوجية إلى الجهاز المناعي لتحفيزه على رفع جاهزيته، وكأنه يستعد لهجوم وشيك من الميكروبات، حتى وإن لم يكن هناك تهديد فعلي بعد.
الدكتور أنتوني كوماروف، رئيس تحرير مجلة رسالة هارفارد الصحية، أوضح أهمية هذا الاكتشاف قائلاً: "أصبح من المؤكد الآن أن هناك حواراً دائماً بين الدماغ والجهاز المناعي. فالدماغ لا ينتظر الإصابة ليتدخل، بل يمكنه أن يطلق استجابة وقائية استباقية تحاكي ما يحدث أثناء العدوى الفعلية."
ويضيف كوماروف أن هذه النتائج تمثل خطوة رائدة في فهم العلاقة بين العقل والجسم، وتفتح الباب أمام استخدام التأثير الذهني لتحفيز المناعة بطرق جديدة، خاصةً لدى كبار السن أو الأشخاص ذوي المناعة الضعيفة.
ويرى العلماء أن هذا الاكتشاف قد يؤدي مستقبلاً إلى تطوير أساليب علاجية تعتمد على تدريب الدماغ لتحفيز الجهاز المناعي عند الحاجة، دون تدخل دوائي مباشر، وهو ما قد يغير جذرياً طريقة التعامل مع الأمراض المعدية والمزمنة على حد سواء.
كما أثارت الدراسة تساؤلات واسعة في المجتمع العلمي حول مدى إمكانية تسخير الوعي البشري كأداة وقائية ضد العدوى، وما إذا كان بالإمكان تعزيز هذه القدرة عبر التأمل أو التدريب الذهني.
وبينما لا تزال الأبحاث في مراحلها الأولى، إلا أن ما توصلت إليه الدراسة يؤكد أن الدماغ ليس مجرد مركز للوعي والتفكير، بل أيضاً خط الدفاع الأول للجسم ضد الأمراض — في تفاعل مذهل بين الإدراك والعافية الجسدية.