سجل مؤشر أسعار المستهلكين في المملكة العربية السعودية تباطؤًا واضحًا خلال شهر نوفمبر 2025، ليبلغ معدل التضخم السنوي 1.9%، وهو أدنى مستوى يتم تسجيله منذ فبراير من العام نفسه، وفقًا للبيانات الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء. ويعكس هذا التراجع حالة من الاستقرار النسبي في مستويات الأسعار داخل الاقتصاد السعودي، في ظل تأثير مباشر لتباطؤ أسعار السكن والأغذية والمشروبات، رغم استمرار بعض التحديات المرتبطة بسوق العقارات في المدن الكبرى.
إقرأ ايضاً:
ويأتي هذا التطور في وقت تواصل فيه الحكومة السعودية تنفيذ حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والتنظيمية التي تستهدف تعزيز الاستقرار السعري، ودعم القوة الشرائية للأسر، بالتوازي مع دفع عجلة النمو الاقتصادي.
تباطؤ أسعار الأغذية والمشروبات يقلص الضغوط التضخمية
شهدت أسعار الأغذية والمشروبات، التي تشكل الوزن الأكبر ضمن سلة مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة تقارب 22%، تباطؤًا في وتيرة الارتفاع لتسجل 1.3% على أساس سنوي، بعد أربعة أشهر متتالية من التسارع. ويُعد هذا التراجع عاملًا محوريًا في خفض معدل التضخم العام، نظرًا للتأثير المباشر لهذا القطاع على إنفاق الأسر.
ويعكس هذا الأداء تحسن التوازن بين العرض والطلب في أسواق الغذاء، إلى جانب استقرار سلاسل الإمداد، ما ساهم في تقليص الضغوط السعرية مقارنة بالفترات السابقة.
السكن والمرافق تسجل أبطأ وتيرة ارتفاع منذ أكثر من 3 سنوات
سجل قسم السكن والمياه والكهرباء والغاز تراجعًا ملحوظًا في معدل الارتفاع السنوي للأسعار ليصل إلى 4.3%، وهو أبطأ معدل يتم تسجيله خلال 37 شهرًا. ويأتي هذا التباطؤ في وقت يُعد فيه قطاع السكن من أبرز محركات التضخم في المملكة خلال السنوات الماضية.
كما سجل قسم النقل ارتفاعًا بنسبة 1.5%، ليظل ضمن النطاقات المقبولة التي لا تشكل ضغطًا كبيرًا على المؤشر العام.
وأشار تقرير الهيئة العامة للإحصاء إلى أن تباطؤ نمو الإيجارات في العاصمة الرياض جاء نتيجة إجراءات تنظيمية هدفت إلى ضبط سوق العقارات، من بينها تعليق زيادة الإيجارات لمدة خمس سنوات، بدءًا من سبتمبر 2025.
الرياض الأعلى تضخمًا رغم التراجع العام
رغم الانخفاض العام في معدل التضخم على مستوى المملكة، واصلت العاصمة الرياض تسجيل أعلى معدل تضخم بين المناطق، حيث بلغ 3.3% خلال نوفمبر 2025. وجاءت منطقة الجوف في المرتبة الثانية بمعدل 2.8%.
في المقابل، سجلت مناطق عسير وتبوك والحدود الشمالية معدلات تضخم أقل من 1%، ما يعكس تفاوت الضغوط السعرية بين المناطق المختلفة بحسب طبيعة النشاط الاقتصادي والكثافة السكانية.
ويُظهر هذا الأداء تحسنًا نسبيًا مقارنة بمستويات التضخم المسجلة في يناير 2024، حين بلغ معدل التضخم في الرياض نحو 2.5%.
تراجع التضخم الأساسي إلى أدنى مستوياته
واصل التضخم الأساسي، الذي يستثني أسعار الأغذية والطاقة، اتجاهه الهبوطي ليسجل 2.2%، وهو أدنى مستوى له منذ بدء الإعلان عنه رسميًا في أغسطس 2025. ويُعد هذا المؤشر من الأدوات المهمة لقياس الضغوط التضخمية الحقيقية في الاقتصاد، بعيدًا عن التقلبات المؤقتة في أسعار السلع الأساسية.
وتشير توقعات وزارة المالية السعودية إلى استقرار معدل التضخم عند مستوى يقارب 2% خلال عام 2026، مع احتمال تباطؤه إلى 1.8% في 2027، قبل أن يسجل ارتفاعًا طفيفًا إلى 1.9% في 2028.
دور السياسات التنظيمية في ضبط سوق الإيجارات
تُعد الإجراءات التنظيمية التي أُقرت في مارس 2025، بتوجيه من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أحد العوامل الرئيسية وراء تهدئة الضغوط التضخمية، لا سيما في سوق الإيجارات. وجاءت هذه الإجراءات في ظل تزايد الطلب على المساكن، مدفوعًا بنمو الاستثمارات الأجنبية، وانتقال العديد من الشركات العالمية لتأسيس مقار إقليمية داخل المملكة.
كما ساهمت المشاريع التطويرية الكبرى المرتبطة برؤية السعودية 2030 في تعزيز المعروض العقاري، ما ساعد على الحد من الارتفاعات الحادة في الأسعار.
التضخم الشهري يعكس استقرار وتيرة الأسعار
على أساس شهري، سجل مؤشر أسعار المستهلكين ارتفاعًا طفيفًا بنسبة 0.1% خلال نوفمبر 2025. وارتفعت أسعار الأغذية والمشروبات بنسبة 0.2%، بينما زادت أسعار السكن والمياه والكهرباء والغاز بنسبة 0.3%.
ويعكس هذا الارتفاع المحدود استمرار السيطرة على وتيرة نمو الأسعار، في ظل سياسات تنظيمية متواصلة، وتحسينات في آليات السوق.
قراءة اقتصادية للمشهد التضخمي
يرى خبراء الاقتصاد أن تراجع التضخم في السعودية يعكس نجاح السياسات الإصلاحية والتنظيمية التي تم تنفيذها خلال الفترة الماضية، خصوصًا في قطاع العقارات. كما أن تحقيق توازن أفضل بين العرض والطلب في قطاعات الغذاء والسكن ساهم في تخفيف الأعباء عن الأسر، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي العام.
ويمنح هذا الاستقرار الحكومة مساحة أوسع للتركيز على مشاريع التنمية طويلة الأجل، ودعم مستهدفات رؤية 2030، دون ضغوط تضخمية مرتفعة قد تؤثر على النمو الاقتصادي أو مستويات المعيشة.