المتقاعدون يعودون للساحة .. مبادرة وطنية تُعيد الخبرات للعمل التطوعي!

المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية.
كتب بواسطة: حكيم الحاج | نشر في  twitter

في خطوة نوعية تهدف إلى توسيع دائرة المشاركة المجتمعية والاستفادة من الطاقات الوطنية، أطلقت المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية مبادرة جديدة تستهدف المتقاعدين من المواطنين، وذلك عبر استشارة عامة تهدف إلى استكشاف آرائهم حول أفضل المجالات التي يمكن أن يساهموا فيها من خلال العمل التطوعي بعد انتهاء مسيرتهم الوظيفية، في مسعى وطني يستثمر خبراتهم ويمنحهم مساحة جديدة للعطاء خارج نطاق الوظيفة التقليدية.

وتسعى المؤسسة من خلال هذه المبادرة إلى تفعيل دور المتقاعدين في التنمية الوطنية، وتقديم نموذج مختلف للمرحلة التي تعقب التقاعد، بحيث لا تكون نهاية للدور المهني، بل بداية لمرحلة جديدة من التفاعل مع قضايا المجتمع، والإسهام في تحسين جودة الحياة عبر مجالات تطوعية هادفة ومثمرة.
إقرأ ايضاً:مجلس الشورى يدعم تسريع إجراءات المطالبات التأمينية ويستعرض استراتيجيات التنمية الوطنيةجستنيه يربك جماهير الاتحاد بتغريدة غامضة.. إشارات صراع نفوذ خلف الكواليس

وانطلقت الاستشارة الإلكترونية بتاريخ التاسع والعشرين من شهر يونيو الماضي، على أن تستمر لمدة ثلاثين يومًا، من خلال منصة "تفاعل" التي تتيح للمواطنين الإدلاء بآرائهم ومقترحاتهم، وذلك في إطار نهج تشاركي تعتمده المؤسسة في تطوير سياساتها وبرامجها المستقبلية.

وتركز الاستشارة على أربعة مجالات رئيسية للتطوع، وهي قطاعات التعليم والتدريب، والعمل الخيري والإنساني، بالإضافة إلى مجالي التقنية والتحول الرقمي، والبيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية، وهي قطاعات ترتبط ارتباطًا مباشرًا بمستهدفات رؤية المملكة 2030، وتشكل أرضًا خصبة لتوظيف خبرات المتقاعدين بشكل فعّال.

وأكدت المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية أن هذه الخطوة لا تهدف فقط إلى إشغال وقت المتقاعدين، بل تهدف إلى بناء منظومة مستدامة من العمل التطوعي تقوم على الكفاءة والتجربة والالتزام، وتُسهم في نقل الخبرات بين الأجيال، وتعزيز الروابط بين فئات المجتمع المختلفة.

وترى المؤسسة أن المتقاعدين يمثلون طاقة معرفية وعملية هائلة لم تُستثمر بعد بالشكل الأمثل، فهم شريحة واسعة تضم خبراء ومعلمين ومهندسين وأطباء وإداريين وغيرهم من أصحاب التجارب العريقة، التي يمكن أن تحدث فرقًا في مجالات حيوية إذا ما تم توجيهها بطريقة مدروسة.

وبحسب ما أوضحته التأمينات، فإن نتائج الاستشارة ستمثل حجر الأساس في رسم ملامح برنامج وطني تطوعي مخصص للمتقاعدين، يجمع بين الطموح الوطني والتخطيط المؤسساتي، ويضمن تكامل الأدوار بين الجهات المعنية لتحقيق الأثر المطلوب من خلال هذا التوجه الاستراتيجي.

وستقوم المؤسسة بعد انتهاء فترة الاستشارة بتحليل الردود وتقييم المقترحات، تمهيدًا لتطوير إطار تنظيمي يعزز من مشاركة المتقاعدين في مبادرات ومشاريع تخدم القطاعات المقترحة، مع التركيز على الشراكات الفعالة مع الجهات الحكومية وغير الربحية ذات العلاقة.

وتأتي هذه المبادرة في وقت تشهد فيه المملكة حراكًا وطنيًا واسعًا نحو تعزيز مفاهيم العمل التطوعي، ورفع نسبة المشاركة فيه بما يتماشى مع مستهدفات رؤية المملكة، التي تسعى إلى رفع عدد المتطوعين سنويًا إلى مليون متطوع بحلول عام 2030، مع تعزيز مفهوم المواطنة الفاعلة.

ويُعد دمج المتقاعدين في هذا التوجه مؤشرًا على تطور النظرة المجتمعية لدور هذه الفئة، حيث لم يعد التقاعد مرحلة خمول أو انقطاع عن المجتمع، بل أصبح يمثل فرصة لإعادة توظيف الطاقات والخبرات في مجالات أكثر مرونة وإنسانية وتأثيرًا في البيئة المحيطة.

وقد بدأت العديد من الجهات الحكومية والخاصة بالمملكة اعتماد برامج ومسارات تستهدف المتقاعدين، سواء في مجالات التدريب أو الاستشارات أو التطوع، وهو ما يعكس تغيرًا تدريجيًا في السياسات العامة المتعلقة بإدارة الموارد البشرية على المستوى الوطني.

وترى المؤسسة العامة للتأمينات أن نجاح هذه المبادرة يعتمد بشكل كبير على تجاوب المتقاعدين أنفسهم، وعلى مدى استعدادهم للانخراط في أدوار جديدة تتطلب التكيف مع طبيعة العمل التطوعي، والانفتاح على أشكال مختلفة من المشاركة، بعيدًا عن الأطر الإدارية والوظيفية التقليدية.

كما تؤكد المؤسسة أنها حريصة على ضمان توفير بيئة تطوعية محفزة وجاذبة، تراعي احتياجات المتقاعدين، وتوفر لهم الدعم اللازم، سواء من حيث التدريب أو الأدوات أو المنصات المناسبة، بما يضمن لهم تجربة تطوعية مُجزية وذات أثر ملموس على المستوى الفردي والمجتمعي.

وتأمل المؤسسة من خلال هذه المبادرة أن تُعيد تعريف مفهوم التقاعد لدى المجتمع، وتُرسّخ ثقافة العطاء المستمر والالتزام الاجتماعي، بحيث لا يكون التقاعد نقطة نهاية، بل انتقالًا طبيعيًا نحو أدوار أكثر إنسانية وقيمة، تعزز من ارتباط الفرد بمحيطه، وتمنحه شعورًا دائمًا بالانتماء والفائدة.

ويُنتظر أن تُسهم هذه الخطوة في فتح آفاق جديدة أمام المتقاعدين، وتُلهم جهات أخرى لاستثمار الخبرات البشرية المتراكمة في المجتمع، من خلال برامج مدروسة تُوظف الكفاءات في مواقعها المناسبة، وتدعم جهود الدولة في تحقيق تنمية شاملة ومستدامة.

ويؤكد متابعون أن هذه المبادرة تعكس وعيًا متقدمًا من المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بأهمية الشراكة المجتمعية، وتُعزز من صورتها كمؤسسة لا تكتفي بدورها التقليدي في صرف المعاشات، بل تسعى إلى الإسهام في بناء مجتمع أكثر تماسكًا وإنتاجية.

اقرأ ايضاً
الرئيسية | اتصل بنا | سياسة الخصوصية | X | Facebook