الباحة تخطف الأنظار بـ23 مزرعة ريفية تجمع بين التراث والاستثمار وتفتح أبواب التوظيف للشباب

المزارع الريفية في منطقة الباحة
كتب بواسطة: فائزة بشير | نشر في  twitter

تحولت المزارع الريفية في منطقة الباحة إلى وجهة سياحية نابضة بالحياة يقصدها الزوار من داخل المملكة وخارجها، بفضل ما تتمتع به من طبيعة هادئة تعانق الجبال وتستكين في أحضان الأودية، حيث اختلطت بساطة الأرياف بسحر المنتجعات العصرية، لتقدم تجربة فريدة لروّاد السياحة الباحثين عن الترفيه والاستجمام في أحضان الطبيعة.

وباتت المزارع الريفية عنصرًا أساسيًا في المشهد السياحي للباحة، إذ ارتفع عددها إلى 23 مزرعة مرخصة منتشرة بين المحافظات، لتقدم خدمات متنوعة تمزج بين الزراعة التقليدية والإقامة الريفية، في مشهد يعكس جهود الدولة في دعم هذا النمط السياحي غير التقليدي، والمساهمة في إنعاش الاقتصاد المحلي بوسائل مستدامة.
إقرأ ايضاً:أسعار حديد التسليح في السعودية تشهد تراجعًا ملحوظًا خلال أغسطسوزارة التعليم السعودية تحدد آليات صارمة للتعامل مع الطلاب المتغيبين بعذر أو دون عذر

وتنوّعت هذه المزارع في مواقعها وخدماتها، حيث توزعت بين مدينة الباحة، والمندق، والعقيق، والقرى، وبني حسن، والمخواة، وتستعد المنطقة قريبًا لزيادة عدد المزارع المرخصة إلى 50، ضمن خطة متكاملة تهدف إلى ترسيخ السياحة الزراعية كرافد تنموي مهم، مستندة إلى ما تتميز به الباحة من طقس معتدل وطبيعة زراعية ثرية.

وأكد المهندس فهد الزهراني، مدير فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة بالباحة، أن هذه المشاريع تمضي قدمًا بدعم حكومي متواصل، حيث تم توزيع 15 ألف شتلة من المحاصيل ذات الميزة النسبية، وتفعيل برامج زراعية متنوعة تشمل التوت الأسود، والفستق، والزعفران، والورد، والفراولة، مع إقامة حقول إرشادية كنماذج ملهمة للمزارعين ورواد الأعمال في هذا القطاع.

وأشار الزهراني إلى أن الوزارة طورت سبع مزارع صغيرة لإتاحة أنشطة السياحة الزراعية للزوار، مثل قطف الفواكه، وتربية المواشي، وزراعة الأشجار، إلى جانب تنظيم خمس ورش عمل متخصصة في السياحة الزراعية، مع تنفيذ 25 ورشة فنية حول إجراءات الترخيص، وأكثر من 100 زيارة ميدانية لدعم المزارعين والإشراف على المشاريع.

وتتماشى هذه المبادرات مع رؤية المملكة 2030، التي تسعى للحفاظ على التراث الزراعي، وزيادة فرص العمل، وتمكين الأسر المنتجة، وخفض معدلات التلوث، وتحقيق الأمن الغذائي، وتعزيز الاستفادة من الموارد الطبيعية، ما يجعل من المزارع الريفية نموذجًا تنمويًا يجمع بين الأبعاد الاقتصادية والبيئية والثقافية.

وأسهمت هذه الجهود في زيادة المساحات المزروعة بالمحاصيل المدعومة، وخلق وظائف للشباب والفتيات، والارتقاء بجودة المنتجات المحلية، وإعادة إحياء المزارع المهجورة، وتشجيع أصحابها على استثمارها سياحيًا، فضلاً عن توفير منافذ بيع جديدة للمنتجات الزراعية داخل المواقع السياحية ومناطق الجذب.

وأوضح الزهراني أن الحصول على الترخيص يتطلب أن يكون مالك المزرعة سعوديًا، وأن تكون المزرعة مملوكة بصك شرعي، ومسجّلة بسجل زراعي صادر من الوزارة، إضافة إلى وجود نشاط زراعي قائم ومنتج، مشيرًا إلى أن جميع الإجراءات تتم عبر بوابة الوزارة ضمن مسار "ترخيص إنشائي للمزارع الريفية".

من جانبه، أوضح حبيب الشمري، المتحدث الرسمي لصندوق التنمية الزراعية، أن الصندوق يوفر برامج تمويل مخصصة لهذا النوع من الاستثمارات، بهدف تطوير البنية التحتية للمزارع، وتنويع مصادر دخلها، وتعزيز الاستدامة البيئية والزراعية، وتحقيق فرص سياحية جديدة في الأرياف.

ويُقدم الصندوق تمويلًا لأصحاب المزارع المنتجة، ويشترط وجود ترخيص من الوزارة، ودراسة فنية مبسطة، وسجل زراعي محدّث، إلى جانب إثبات الملكية أو الحيازة، وتوافر مقومات تجعل المزرعة مناسبة لممارسة النشاط السياحي، مع أولوية للمشاريع التي تعكس هوية المنطقة وتستثمر ميزاتها النسبية.

وفي قلب محافظة المندق، تحدث أحمد البروقي، أحد ملاك المزارع، عن التحول الكبير الذي شهدته المزارع الريفية، إذ أصبحت مقصدًا مفضلًا للعائلات، لما توفره من هدوء وطبيعة خلابة، إلى جانب منتجاتها الزراعية المميزة مثل العنب، واللوز، والفراولة، فضلاً عن الأطعمة الشعبية التي تقدمها الأسر المنتجة.

وفي محافظة القرى، يرى عبدالعزيز الزهراني أن المزارع الريفية ليست مجرد مساحة خضراء، بل نافذة مفتوحة على تراث المنطقة، وتجربة بصرية ووجدانية ثرية، من خلال المدرجات الزراعية، والمشاهد الخضراء التي تأسر الزائر، وتشكل لوحة طبيعية تنطق بجمال البيئة وجاذبية الريف.

وتتيح هذه المزارع فرصة فريدة للسياح لخوض تجربة معيشية متكاملة، تجمع بين الضيافة الريفية والموروث الثقافي، من خلال المشاركة في زراعة النباتات، وحصاد الثمار، وصناعة المنتجات اليدوية، وتذوق الأطباق المحلية، بما يعمّق التواصل مع الطبيعة، ويمنح الزائر إحساسًا بالانتماء للمكان.

وتتنوّع ثمار المزارع في موسم الصيف، ما بين التين والمشمش والعنب والرمان والتوت الأسود والخوخ، لتقدم للزائر سلة فواكه طازجة، تعبّر عن تنوع الإنتاج المحلي وجودته، وتساهم في جذب المزيد من الزوار الباحثين عن الطبيعة والاستجمام والمذاقات الأصيلة.

ومع تصاعد هذا الاهتمام بالسياحة الزراعية، يتوقع المراقبون أن تصبح المزارع الريفية أحد أبرز أركان التنمية السياحية في الباحة، خاصة في ظل توجه الأسر نحو السياحة الداخلية، وحرصها على الاستمتاع ببيئة نقية وخدمات ذات طابع تقليدي، ما يعزّز فرص النجاح للمزارعين والمستثمرين في هذا المجال.

وتبقى المزارع الريفية في منطقة الباحة مرآة تعكس رؤية تنموية طموحة، تستلهم من الطبيعة كنوزها، وتعيد تقديمها في قالب سياحي مستدام، يربط الحاضر بالماضي، ويحوّل الزراعة من مصدر رزق إلى وجهة جذب، ومن نشاط محلي إلى مشروع وطني يحقق عوائد بيئية واقتصادية واجتماعية.

اقرأ ايضاً
الرئيسية | اتصل بنا | سياسة الخصوصية | X | Facebook